م. علي صبره المِرِّي… من العمارة إلى أعماق النفس الإنسانية
رغم أن دراسته الأكاديمية وتكوينه المهني ينتميان إلى عالم الهندسة المعمارية، إلا أن المهندس علي صبره المِرِّي اختار أن يتعمق في بناءٍ آخر لا يُرى بالعين، بل يُحسّ بالروح والفكر. فمنذ أكثر من 25 عامًا، وهو يكرّس نفسه ككاتب وباحث في علم النفس، متخصص في العلاقات الإنسانية والاستشارات الزوجية، مع تركيز خاص على اضطرابات الشخصية النرجسية.
بدأ شغفه بعالم النفس منذ الطفولة، حين كان يلاحظ سلوكيات من حوله ويتأملها بفضول فطري. ومع مرور السنوات، تحوّل هذا الشغف إلى مسار معرفي عميق، جعل منه واحدًا من الأصوات الهادئة والمؤثرة في مجال الكتابة النفسية باللغة العربية.
تميّز أسلوبه بالجمع بين التبسيط العلمي واللمسة الأدبية المؤثرة، حيث يعرض أكثر المواضيع النفسية تعقيدًا بلغة قريبة من القلب والعقل، تمسّ القارئ وتدعوه للتأمل في ذاته وعلاقاته. كتب العديد من المقالات التي لاقت صدى واسعًا، لما تحمله من صدق وتحليل عميق، وهو الآن في صدد إصدار كتابه الأول حول اضطراب النرجسية، بأسلوب يمزج بين العلم والوعي الإنساني.
«العسل المسموم»… حين يغسل النرجسي وعيك دون أن تدري
في أحد مقالاته المؤثرة بعنوان «العسل المسموم»، يُقدم م. علي صبره المِرِّي وصفًا دقيقًا ومؤلمًا لما يُعرف بالتلاعب النرجسي، أو ما يُسميه “الغسيل الناعم”، حيث لا يُمارس الأذى بالصراخ أو العنف، بل عبر تشويه تدريجي للوعي والهوية.
يكتب:
“ليس كل جرح يُحدث نزيفًا… بعض الجراح تسرقك من داخلك في هدوء… تغسل أفكارك، تعيد تشكيل ذاتك، وتتركك في النهاية شخصًا لا تعرفه…”
ويضيف:
“كلمات ساحرة، منطق مضلل، وتكرار هادئ… الهدف واحد: أن تفقد نفسك، وتتماهى مع من يؤذيك.”
المقال لا يكتفي بوصف الحالة النفسية، بل يُرشد الضحايا إلى خطوات واعية للتعافي تبدأ بالاعتراف، مرورًا باستعادة الصوت الداخلي، وانتهاءً بالمواجهة الحاسمة. يؤكد:
“استعادة نفسك ليست رفاهية، بل نجاة.”
ما بين العمارة وبناء النفس
رغم اختلاف المجالين، إلا أن رسالة م. علي صبره المِرِّي تتكامل: ففي العمارة يبني جدرانًا، وفي علم النفس يعيد ترميم النفوس. بأسلوبه العميق والإنساني، استطاع أن يجعل من علم النفس مساحة للحوار مع الذات، لا حقلًا معقدًا للمصطلحات.
وهو اليوم يواصل مسيرته في البحث والكتابة، واضعًا الإنسان في قلب اهتمامه، باحثًا في الحب، الألم، التعلق، والنجاة… لا بلغة النُظُم الجافة، بل بلغة الحياة ذاتها.
في زمنٍ تتكاثر فيه الاضطرابات، ويزداد فيه الاغتراب عن الذات، يشكّل صوت مثل صوت علي صبره المِرِّي ضرورة… صوت صادق، واضح، يُضيء العتمة بكلمات بسيطة لكنها عميقة، تمامًا كما كتب:
“كل خطوة في طريقك نحو وعيك الجديد، هي غُسل حقيقي… لكن هذه المرة بالماء والصدق، لا بالكلمات المسمومة في