من رائحة الحبر إلى نبض الشاشة: حكاية صحفي لا يزال يؤمن بالكلمة
بقلم: محمد بدران
ذات زمن، لم تكن الشاشات قد غزت الجيوب، ولم تكن الأخبار تُستهلك بضغطة إصبع. كانت الصحافة الورقية تسكن البيوت وتُقرأ على مهل، وكانت الكلمة تُنحت كما تُنحت التماثيل، بحرفية وصدق. في تلك الأيام، كنت هناك، في قلب المهنة، أتنفس أخبارها وأعيش حكاياتها سطرًا بسطر.
تنقلت بين منصات عريقة، من مجلة أخبار الجريمة إلى جريدة الميثاق، ومن الأحرار إلى النجوم والموعد. وكنت محظوظًا بأن أتقلد مناصب تحريرية رفيعة، بينها مدير التحرير. لكن الألق لم يكن في المنصب، بل في كل خبر نُصيغُه بعين الباحث، وكل تحقيق نُنجزه بروح المُغامر.
الصحافة في تلك المرحلة لم تكن “صناعة محتوى”، بل كانت رسالة. كنا نلاحق المعلومة لا التريند، ونصيغ الأسئلة قبل الإجابات، ونحترم عقل القارئ قبل عدد المتابعين.
ثم جاء التحول الرقمي. صار الإعلام أسرع، وأكثر صخبًا، وأحيانًا أكثر سطحية. لكن رغم اختلاف الوسيط، تظل المبادئ واحدة: المصداقية، المهنية، الضمير الحي.
اليوم، حين أسترجع الرحلة، لا أرى فقط مراحل مهنية، بل دروسًا إنسانية. الصحافة علّمتني أن للكلمة وزنًا، وأن على عاتق الصحفي أمانة لا تسقط بالتقادم.
ورغم تغير العالم، ما زلت أؤمن أن الصحفي الحقّ لا يُحدده الزمن، بل قلمه.