في خطوة استراتيجية محورية تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة الحركة التجارية واللوجستية في المنطقة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إطلاق مشروع “الممر الجمركي الآمن” لشبكة قطارات الاتحاد. ويمثل هذا المشروع قفزة نوعية في تعزيز كفاءة سلسلة الإمداد، عبر الربط السريع والآمن بين ميناء خليفة في أبوظبي ومرافئ الفجيرة على الساحل الشرقي للدولة.
وتأتي هذه المبادرة تتويجًا لاتفاقية تعاون استراتيجية ضخمة جمعت كبار اللاعبين في قطاع النقل والتجارة، حيث وقعت شركة قطارات الاتحاد، المطوّر والمشغّل لشبكة السكك الحديدية الوطنية، الاتفاقية مع كل من جمارك أبوظبي وجمارك الفجيرة، إلى جانب مجموعة موانئ أبوظبي ومرافئ الفجيرة، وبمشاركة شركة نواتوم للخدمات اللوجستية. ويعكس هذا التكتل المؤسسي الالتزام الوطني المشترك بتحقيق أعلى مستويات التكامل التشغيلي.
هدف استراتيجي: انسيابية وكفاءة غير مسبوقة
يستهدف المشروع الجديد تحقيق انسيابية غير مسبوقة في حركة البضائع بين الميناءين والمناطق الحرة المحيطة بهما، معتمدًا على السرعة الفائقة والأمان الذي توفره شبكة السكك الحديدية الوطنية. ويعمل الممر الجمركي الآمن على تحقيق عدد من المزايا التشغيلية والاقتصادية التي تضع الإمارات في مصاف المراكز اللوجستية الأكثر تقدمًا عالميًا.
ويعتمد الممر على تطبيق آليات جمركية تتسم بالسرعة والأمان، أبرزها تبني إجراءات الاستعلام المبكر عن الشحنات، مما يقلص من زمن التخليص الجمركي إلى الحد الأدنى. وبموجب الاتفاقية، ستستكمل الإجراءات الجمركية في موقعي الانطلاق والوصول فقط دون الحاجة للتوقف والتفتيش المتعدد، الأمر الذي يعزز من كفاءة العمليات اللوجستية بشكل جذري، ويقلل من الاختناقات والتعطيلات التقليدية التي تصاحب النقل البري.
ميزات تنافسية تدعم التجارة العالمية
أحد أهم الأبعاد الاقتصادية لهذا المشروع هو منح أولوية التخليص الجمركي للبضائع التي يتم نقلها حصريًا عبر قطارات الاتحاد. هذه الميزة التنافسية الاستثنائية تقدم حافزًا قويًا للتجار والشركات اللوجستية لاستخدام خيار النقل بالسكك الحديدية، وتخلق ميزة إضافية لخيارات النقل الأخرى، مما يرسخ دور شبكة القطارات كعنصر محوري في حركة التجارة الدولية والمحلية للدولة.
ويغطي الممر الجمركي الآمن طيفًا واسعًا من أنواع الشحنات والعمليات التجارية، بما في ذلك:
- الواردات المتجهة إلى المناطق الحرة.
- شحنات الترانزيت التي تعبر الدولة من الشرق إلى الغرب وبالعكس.
- الصادرات المتجهة إلى الأسواق العالمية.
- التجارة الداخلية بين إمارة أبوظبي وإمارة الفجيرة.
هذا الشمول يضمن أن البضائع، سواء كانت متجهة لإعادة التصدير أو للاستهلاك المحلي، ستستفيد من السرعة والأمان والكفاءة اللوجستية العالية التي يوفرها الممر.
الرؤية الاستراتيجية والاستدامة الوطنية
أكد الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة شركة قطارات الاتحاد، أن هذا المشروع يمثل “خطوة محورية نحو تعزيز البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية”، مشددًا على أن الممر الجمركي الآمن يرسخ مكانة دولة الإمارات كـ “بوابة رئيسية للتجارة العالمية”.
وفي إطار التزام الدولة بأهداف التنمية المستدامة، أشار الشيخ ذياب إلى أن الممر سيسهم بفعالية في دعم جهود الاستدامة الوطنية وتحقيق مستهدفات الحياد المناخي بحلول عام 2050. ويتم ذلك عبر التحول من النقل بالشاحنات إلى النقل بالسكك الحديدية، ما يؤدي إلى تقليل كبير في الانبعاثات الكربونية وتعزيز خيارات النقل المستدام، وهو ما يتوافق مع الرؤية طويلة الأمد للقيادة الرشيدة.
الانطلاق التجريبي والتوسع المستقبلي
من المقرر أن تبدأ الخدمات التجريبية للممر الجمركي الآمن في الربع الأخير من عام 2025. وخلال هذه الفترة، ستعمل الجهات الشريكة على تطوير آليات التعاون المشترك بينها وبين المتعاملين، ورصد دقيق لمؤشرات الأداء لضمان تحقيق أعلى مستويات الكفاءة والجودة اللازمة للتشغيل الكامل.
ويتطلع الشركاء إلى توسيع نطاق الممر الجمركي الآمن بشكل مستقبلي ليشمل محطات قطار أخرى في مختلف أنحاء الدولة، مع العمل على إدماج حلول تقنية مبتكرة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في العمليات الجمركية والتشغيلية. ومن المتوقع أن يساهم هذا التوسع في تعزيز التكامل التجاري إقليميًا وعالميًا، وترسيخ الدور الريادي لدولة الإمارات كمركز لوجستي محوري يواكب أرقى المعايير الدولية في الأمن والسلامة والتجارة.