
فى زمنٍ صار فيه الذكاء الاصطناعى يجيب قبل أن نسأل، ويقترح قبل أن نفكر، يُطرح سؤال مرعب هل ما نخسره فى عقول أبنائنا أكبر مما نكسبه من سرعة الإجابة؟
. الذكاء الاصطناعى يقتل “لحظة التساؤل
لطالما كانت لحظة الحيرة هى لحظة ولادة العبقرية
طفل يسأل: لماذا السماء زرقاء؟
فى الماضي: كان يبحث، يقرأ، يسأل معلّمًا، يكتشف تدريجيًا.
الآن: يكتب السؤال فى تطبيق ذكاء اصطناعى، يحصل على إجابة مصاغة ببراعة… وينتهى الفضول.
“حين تُمنح المعرفة بلا عناء، تُسلب معها لذة الاكتشاف.”
صناعة “عقول مختزلة”: جيل من المختصرات
جيل اليوم يعتمد على ملخصات الذكاء الاصطناعى فى الدراسة، التفكير، وحتى كتابة مشاعره فى رسائل الاعتذار أو التعبير.
ينمو النشء وهو يعتقد أن “المعرفة” مجرد نسخة قصيرة من ويكيبيديا.
يخسر القدرة على الربط، التحليل، والتفكير النقدى.
العقل الذى لا يتمدد… ينكمش
المحاكاة العاطفية: مشاعر مصطنعة تُربّى مشاعرنا
بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعى تُقدّم دعمًا نفسيًا، وتكتب شعرًا، وتُرسل رسائل تهنئة.
طفل يكتب لسوفت وير: “أنا حزين”.
فيُجيب عليه الذكاء الاصطناعى بجمل مطمئنة دافئة.
لكن من علّمه كيف يعبّر عن حزنه فى الحياة الواقعية؟
من يُدرّبه على استقبال الألم؟ أو التعامل مع الفقد؟ أو مواجهة صديق فى خلاف؟
إذا علّمنا الأطفال أن الروبوتات تفهمهم أكثر من البشر، فمتى سيتعلمون لغة القلب؟
الانفصال التدريجى عن “الأصل البشري””
جيل النشء يتربى اليوم على أصوات اصطناعية، مدرسين افتراضيين، ورُفقاء روبوتات.
تقل القدرة على قراءة تعبيرات الوجه، فهم لغة الجسد، والإحساس بلحظة الصمت.
نمو عاطفى مشوّه فى قوقعة من الخوارزميات.
العزلة ليست فقط فى الغرف، بل قد تكون وسط آلاف “الأصدقاء الافتراضيين”
أخطر سؤال: من يشكّل قِيَم هذا الجيل؟
الذكاء الاصطناعى يتعلم من محتوى الإنترنت: فيه الجميل والقبيح، النقى والمُشوّه.
فمن يضمن أن القيم التى يبثها لأطفالنا هى تلك التى نؤمن بها؟
طفل يطلب نصيحة من مساعد صوتى عن “الحرية” أو “الصداقة” أو “النجاح”…
أى فلسفة سيحصل عليها؟ ومن وراءها؟ هل تناسب بيئته وثقافته وأحلامه؟
حين يصبح المربى برنامجًا ذكيًا، من يحمى الروح من الاغتراب؟”
كلمة أخيرة
السباق ليس بين الإنسان والآلة
بل بيننا وبين لحظة استسلام
فلنعلّم أبناءنا أن الذكاء لا يُقاس بسرعة الإجابة،
بل بقدرة العقل على أن يسأل، ويشك، ويكتشف… وحده
ويجب أن ندرك أن كل جيل صنع مستقبله بيديه… إلا هذا الجيل، قد يُصاغ مستقبله على يد آلة.
فإما أن نعلّم أبناءنا كيف يفكرون، أو ننتظر أن يعيد الذكاء الأصطناعى برمجتهم من جديد.
بخيت الواحى
باحث المجلس القومى لحقوق الإنسان