
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الساعات والأيام المقبلة قد تحمل فى طياتها ملامح نهاية للحرب الدائرة فى قطاع غزة، مع تزايد الضغوط الدولية والتقييمات العسكرية التي تدفع نحو وقف شامل لإطلاق النار، فمن واشنطن إلى تل أبيب، تتوالى الإشارات التي ترسم خريطة طريق نحو تهدئة طال انتظارها، إلا أن الواقع على الأرض لا يزال يشهد جمودًا ملحوظًا.
يبقى الموقف الإسرائيلي، المتمثل بتمسك نتنياهو، عائقًا رئيسيًا أمام وقف الحرب، حيث يرى أن استمرار العمليات ضرورة، وهو موقف ثابت لديه ويعود هذا التصلب، إلى عدة عوامل داخلية أبرزها حكومته المتطرفة، و ملفات الفساد التي تلاحقه فهو يعتقد أن استمرار الحرب يؤجل مواجهته لهذه القضايا، إخفاق 7 أكتوبر فهو يخشى من لجان التحقيق المحتملة حول تلك الإخفاقات، ويعتقد أن استمرار الحرب قد يمنحه درعًا حامية، وكذلك مسؤولية مقتل المئات من الجنود الإسرائيليين فهو يواجه غضبًا جماهيريًا و يرى في استمرار العمليات محاولة لاستعادة الدعم.
تأتي فى هذا السياق رغبة ملحة يتحدث فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى “إنهاء الحرب فى قطاع غزة فى أقرب وقت ممكن”، هذه الرغبة الأمريكية المزعومة ليست مجرد تصريح عابر، بل يرافقها طرح لفكرة “تقليص الإطار الزمني لخطة مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، بشأن غزة”، يعكس هذا التوجه الأمريكي حسابات استراتيجية تتعلق بالاستقرار الإقليمي، والانتخابات الرئاسية الإسرائيلية فى العام المقبل، بالإضافة إلى الضغوط المتزايدة على واشنطن، لكن وسط كل ذلك لا يخفى أن رغبة إنهاء الحرب على الطريقة الأمريكية تتوقف على الإنهاء الذي يناسب أمريكا وإسرائيل، وليس الإنهاء العادل.
في ظل هذه التطورات السياسية، لا تزال عمليات القتل والتوحش في قطاع غزة مستمرة، حيث فاقت الجرائم المرتكبة كل التخيلات. تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الأطفال والنساء من عدد القتلى تتراوح بين 70% و80%، و يرى مراقبون أن الاحتلال الإسرائيلى قد فقد أى مبرر لهذه العمليات، ومع ذلك يستمر في ارتكاب المزيد من الجرائم، في هروب إلى الأمام يعكس إفلاسه في تحقيق أهدافه العسكرية المعلنة.
سقط الاحتلال قياديًا وأخلاقيًا وعسكريًا، فهو غير قادر على الحسم بشكل الانتصار الكامل، لا في غزة ولا في إيران، يطرح سؤال ملح أمام المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية: كيف يسمح هذا المجتمع بقتل شعب أعزل على مدار عامين متتاليين؟ كيف يقتل عشرات الآلاف من الأطفال ويحرقون ولا أحد يتحرك؟ يؤكد خبراء أن هذه العمليات لن تتوقف إلا بتدخل إقليمي ودولى حاسم، تلعب فيه مصر دورًا شديد الأهمية والحرص على إنقاذ الشعب الفلسطيني.
تشير التوقعات إلى أن إسرائيل قد ترسل وفدًا خلال الأسبوع الحالي إلى القاهرة والدوحة، حيث من المتوقع أن تكون المفاوضات مباشرة مع حماس بحضور الوسطاء، يتوقع أيضًا أن يزور ويتكوف المنطقة هذا الأسبوع ويبقى حتى إبرام الصفقة، في دلالة على وجود ضغط وإرادة أمريكية قوية للتوصل إلى هذا الاتفاق.
يعي نتنياهو تمامًا أن الذهاب إلى صفقة لإنهاء الحرب قد يعني نهاية حكومته الحالية، السؤال هنا: هل هو مستعد للذهاب إلى انتخابات جديدة وتغيير المشهد السياسي؟ يعتقد البعض أن نتنياهو قد يستثمر الوهج الذي اكتسبه بعد المواجهة مع إيران، ليدفع نحو انتخابات مبكرة، ويحاول تشكيل حكومة لا تضم بالضرورة اليمين المتطرف.
ورغم الضغط الأمريكي على الحكومة الإسرائيلية، لا تزال هناك معارضة من نتنياهو لصفقة شاملة، يشير التحليل إلى أن التفكير الإسرائيلي قد يتجه نحو صفقة تكتيكية قصيرة الأجل أو مؤقتة تهدف فقط إلى استرداد الأسرى الإسرائيليين، وبما أن العام القادم هو عام انتخابات، فإن قدرة نتنياهو على التأثير على الأحداث فيما يتعلق بغزة قد تكون أكبر من قدرة ترامب في هذه المرحلة.
من المرجح أن يتجه نتنياهو إلى التصعيد، فإسرائيل غالبًا ما تفضل الدمج بين العملية العسكرية والمسار السياسي التفاوضي. من غير المرجح أن تكون هناك صفقة نهائية تنهي هذه المواجهة على الأقل في الأيام والشهور القادمة.
وسط كل هذه التفاصيل، نستطيع القول إن تدخل ترامب في الشأن الداخلى الإسرائيلي يمثل محاولة لطمأنة نتنياهو ومنحه مزيدًا من الثقة للمضي قدمًا في هذه الصفقة، خاصة مع شعور بأن حماس قد تكون أكثر جاهزية الآن. ينظر ترامب إلى المشهد بشكل شامل، آخذًا في الاعتبار المشهد الإسرائيلي من الداخل، والتفاصيل المعقدة مثل ملف محاكمة نتنياهو، استعداد حماس للصفقة، وحتى استعداد الفلسطينيين للحديث مرة أخرى عن “صفقة القرن” التي رفضوها سابقًا، هذه المتغيرات يضعها ترامب نصب عينيه في سعيه لترتيبات إقليمية تهدف إلى “السلام الاقتصادي”، وهو ما يطمح من خلاله لترشحه لجائزة نوبل للسلام.
يبقى الوضع فى غزة مأسأوى، مع تحركات سياسية مكثفة خلف الكواليس، وصراع إرادات يحدد مصير ملايين الفلسطينيين.