المستشار خالد خلاف : إيصال الأمانة بين الحماية القانونية والمساءلة الجنائية – مقال يهم كل قارئ

المستشار خالد خلاف

Ahmed Osama10 أبريل 2025
المستشار خالد خلاف
المستشار خالد خلاف

المستشار خالد خلاف : إيصال الأمانة بين الحماية القانونية والمساءلة الجنائية – مقال يهم كل قارئ

قراءة تحليلية في ضوء الفقه والقضاء المصري

يُعد إيصال الأمانة من أكثر المستندات القانونية شيوعًا في التعاملات المالية والمدنية، حيث يستخدم كأداة لضمان الحقوق بين الأطراف. ورغم شيوع استخدامه، إلا أنه يُثير العديد من الإشكاليات القانونية، خاصة فيما يتعلق بالتكييف القانوني، والمسؤولية المدنية، والمسؤولية الجنائية الناشئة عنه. واستقر الفقه والقضاء المصري على اعتباره سندًا قانونيًا ذا حجية في الإثبات، مما يترتب عليه آثار قانونية تختلف حسب طبيعة النزاع القائم بين الأطراف.

إيصال الأمانة هو مستند يوقعه أحد الأطراف، ويُقرّ بموجبه باستلام مبلغ مالي أو شيء معين على سبيل الأمانة، مع الالتزام برده في ميعاد محدد. ويستلزم صحته أن يكون المال أو الشيء قد تم تسليمه فعليًا، وأن يكون هناك التزام قانوني برده إلى صاحبه. وقد أكدت محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها أن إيصال الأمانة يُعد دليلًا قانونيًا ملزمًا، ما لم يُثبت العكس بأدلة قانونية قاطعة.

في نطاق المسؤولية المدنية، يعد الإخلال بإيصال الأمانة إخلالًا تعاقديًا يُوجب التعويض إذا ثبت أن المستلم امتنع عن رد المال أو الشيء المسلم إليه دون مبرر مشروع. كما يجوز للمدين الدفع أمام المحكمة بأن المال لم يُسلم على سبيل الأمانة، بل كان قرضًا، وهو ما قد يغير طبيعة النزاع من جنائي إلى مدني، لأن عقد القرض لا يُعتبر من عقود الأمانة التي تترتب عليها جريمة خيانة الأمانة.

في بعض الحالات، يدفع المتهم في قضايا إيصال الأمانة بأن المبلغ المذكور في الإيصال كان قرضًا وليس أمانة. وهذا الدفع يُعتبر جوهريًا، حيث إن عقود الأمانة محددة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات المصري، ولا يشمل ذلك عقد القرض. فإذا ثبت أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة قرض، فإن ذلك ينفي صفة الأمانة عن المبلغ، وبالتالي تنتفي جريمة خيانة الأمانة. وقد أكدت محكمة النقض المصرية هذا المبدأ، حيث قضت ببراءة متهم من تهمة تبديد إيصال أمانة، مستندة إلى أن الإيصال كان يتعلق بعقد قرض، مما يخرج الواقعة عن نطاق التأثيم الجنائي.

أما من الناحية الجنائية، فإن الإخلال بإيصال الأمانة قد يُشكل جريمة خيانة أمانة وفقًا لنص المادة 341 من قانون العقوبات المصري، متى توافرت الأركان القانونية للجريمة. ويتحقق الركن المادي للجريمة عندما يقوم المستلم بتبديد المال المسلم إليه، أو إنكاره، أو الامتناع عن رده بسوء نية. أما الركن المعنوي، فيتمثل في القصد الجنائي، أي علم الجاني بأنه غير مالك للمال ومع ذلك يتصرف فيه بسوء نية.

العقوبة المقررة لجريمة خيانة الأمانة وفقًا لقانون العقوبات المصري هي الحبس وفقًا للحدود المنصوص عليها قانونًا، دون تحديد مدة دنيا أو قصوى، بحيث تخضع لتقدير المحكمة وفقًا لظروف كل قضية. كما يجوز للمحكمة إضافة غرامة مالية لا تتجاوز مائة جنيه مصري، وذلك استنادًا إلى تقديرها لحجم الضرر الناشئ عن الجريمة. ولا يسقط الحق في العقوبة حتى لو قام المتهم برد المال أو الشيء محل الأمانة، لكنه قد يُعد ظرفًا مخففًا للعقوبة.

يجوز للمجني عليه أو ورثته التصالح مع المتهم وفقًا للمادة 18 مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية، ويترتب على هذا الصلح انقضاء الدعوى الجنائية حتى ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر. كما يجوز التصالح في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، وحتى بعد صدور حكم بات، مما يؤدي إلى وقف تنفيذ العقوبة. ومع ذلك، لا يؤثر الصلح على حقوق المضرور في المطالبة بالتعويضات المدنية أمام المحاكم المختصة.

تواجه المحاكم عدة تحديات في قضايا إيصال الأمانة، من بينها صعوبة إثبات استلام المال أو الشيء موضوع الإيصال، حيث قد يدفع المتهم بأنه وقّع الإيصال على بياض أو أنه تعرّض للإكراه. كما تبرز مشكلة التزوير أو إساءة استخدام الإيصالات، حيث يُستغل هذا المستند أحيانًا لإثبات ديون غير حقيقية، مما يستوجب التدقيق في كل واقعة على حدة.

اجتهادات القضاء أكدت على أن إيصال الأمانة يُعد مستندًا ذا حجية قانونية، ولا يجوز الدفع ببطلانه إلا لأسباب قانونية جدية. كما استقرت محكمة النقض على أن حسن النية عنصر جوهري في تحديد طبيعة النزاع، إذ إن بعض القضايا قد تكون نزاعات مدنية بحتة ولا ترقى إلى الجريمة الجنائية.

إيصال الأمانة أداة قانونية فعالة لضمان الحقوق، لكنه قد يكون سلاحًا ذا حدين إذا لم يتم استخدامه بحذر. لذا يُنصح بتوخي الحذر عند تحرير الإيصالات، والتأكد من أنها تستوفي الشروط القانونية التي تضمن حمايتها من سوء الاستخدام. كما يجب تعزيز الوعي القانوني بشأن إيصالات الأمانة، لضمان استخدامها في إطارها الصحيح وتجنب النزاعات القضائية التي قد تترتب عليها.

عاجل